نزيف الحلم ـــ
تُراك في هذه الساعة المتأخرة من الليل، الثانية صباحاً، تطرق باب وجودي التائه. ورائحة عطرك تفوح في أرجاء الغرفة، تطاردني، بل أطاردها، أجمل ما فينا هو صمتنا الطويل الملتحف بالأسرار خارقة الطفولة. أنا متأكدة من أنّك صاحٍ الآن. ولعلّك جالسٌ إلى مكتبك تبحث عن قطتك في مكانٍ ما. تبحث في كلِّ الأمكنة دون أن تراها، بل تشعر بوجودها. لقد تسرَّبت تحت جلدك.أحبَّت أن تختفي عن هذا العالم ولو لدقائق أو لساعات. لِمَ لا؟! إلى أن يبزغ الفجر! أنت صوت العقل فيها، وصوت الحلم، وصوت الوطن، وصوت الحب.
كم أريد أن أفعل شيئاً لأجلك لستُ أدري ماهو! إنها رغبة ربما أردتُ أن أقول لك شيئاً من خلالها، شيئاً جميلاً بالطبع. أنا التي أحب أن أقول لك الكثير بأقل عدد من الكلمات. أريدك أن تبقى معي.. أريدني أن أبقى معك...على الخط .. لا.. مَنْ قال إنّه الهاتف؟!.. لا.. بل إنني أكرهه، إنّه يبعدني عنك كيف ولماذا؟!
لو لم يكن هناك هاتف لشعرتُ بأنني دائماً معك! إنه الهاتف الذي يبدأ وينتهي ويذكّرني بأنني لستُ دائماً معك!..
إنّها الثانية والنّصف صباحاً..
أمسك يديّ بقوّة أرجوك، أناملي مثلجة وجسدي يرتعش في هذه الليلة النّيسانيّة الموحشة!.. كيف تفسّر ذلك؟.. وهل هو البرد حقّاً؟..
هيَ ذي كفُّك الدافئة تمتد نحو أناملي.. تلامس ظهر كفيّ برفق شديد وتحتويهما. يتسرّب الدفء إليهما بسرعة البرق لكأنّ الشمس سكنتهما. تداعب أناملك أناملي وأشعر بأنني في حلمِ خرافيٍّ لا أريد أن أصحو منه أبداً، كفّاك احتوتا كفيّ الصغيرتين، ألم تتوقّع إذن أن يكون لي أنامل طفوليّة؟!..هل كان عليَّ أن أخبرك عن مساحة كفّيّ أيضاً؟!..
أعلم جيّداً أنّ كل ما يتعلّق بي يهمُّكَ أن تعرفه أليس كذلك؟!
هذا يثير فيَّ قشعريرة من الفرح لن أتنكّر لها. أحياناً يخطر لي أن أحدثّك عن أفكاري وأحلامي وروحي ومشاعري وكل شيء. أريدك أن تدخل حياتي بتفاصيلها الصّغيرة شرط أن لا تسألني أيَّ سؤال حول ماذا ولماذا وكيف ومتى، فالبوليس السّري يلاحقني ويحصي كم مرة أتنفّس في الدقيقة. ولماذا لم أفعل كذا، بل لماذا فعلتُ كذا؟!... وأنا المسؤولة دائماً عن أخطاء الآخرين. ولهذا كرهت كل ما يتعلق بالأسئلة.
إنّها الثالثة صباحاً...
لسنواتٍ طويلةٍ، لم أُلقِ بآثار تعبي وغربتي وآلامي على كتف أحد، وأشعر بالذنْب أنّي أحاول أن أفعل ذلك الآن!..
لماذا؟!... لأنّك حبيبي. أقولها بملء روحي. أنت مينائي الأخير الذي سترسو فوقه جميع سفن قلقي. فهل تغفر لي عشرين سنة من الغربة؟!..
كنتُ أغفو على يديك وأنت تلفُّني بوجودك الحنون، وهمساتك الدافئة التي تملأ عالمي الرماديِّ الشاحب بألوان قوس قزح..
إنّها الثالثة والربع صباحاً..
حُلمي أن أغفو على يديك!..
ولكنّك أنت أيضاً بحاجةٍ إلى دفء أعماقي، ولهاث روحي الزرقاء وهي تتصيّد فراشات روحك الورديّة وتزرعها في سمائها.
كدتُ أقول من أعماق قلبي: "تعال إليَّ أرجوك"، متناسيةً بأنّك معي حقّاً!... لعلّها حالة صوفيّةٌ بحتة. أردتُكَ أن تكون فيَّ.. أن لا تخرج منّي أبداً..
هل صُمَّتْ أذناك عن صراخي المرير؟!...
إنّها المأساة!.. ليست مأساتي، بل لعلّ كل هذا الأرق.. كلُّ هذه المرارة... وكلُّ هذه الغربة والأجواء الخانقة التي تحيط بي، مصدرها جنون العالم بقارّاته الخمس!.. ما الّذي جرى حتّى تنقلب الدُّنيا علينا؟!.. وتنقلب الشياطين علينا.. قُل لي أرجوك!!..