لماذا قتلتني؟
أحقا تريد أن تعرف ما حدث؟
في تلك الليلة أسدل الليل ستاره باكرا .... بحثت فلم أجد القمر .... نظرت أمامي .... بالكاد رأيت دربا يشق طريقه في الظلام ....
نحو حافة الارض ...
أو هكذا ظننت
.......................................
تسألني إن كنت وحدي؟
لا لم أكن وحدي ... فقد رافقتني أصداء خطوات أقدامي .... صاحبني حفيف ورقات الشجيرات .... راقبني عويل رياح الشمال .... تمس جبهتي ...تتغلغل بين أكمام ملابسي ... تتحسس بشرتي
فترتجف .
..........................................
نعم ....
حينها رسمته عيناي .... فبينما كان هدفي أن أمشي و أمشي ... تسمرت في مكاني ... و لم تكن برودة الجو هي من جمدني , فقد لاحظ وجهي في إحدى التفاتاته ... داخل زقاق عتيق ...
كتلة ... كتله أكثر إظلاما من سواد ليلتنا ... و قد جلست بجوارها عينان مضيئتان لقطه ....
من قطط الشارع
.................................................. ..
أجل ... لقدساورني ذلك الشعور الذي لا يريح و لا يهدأ ....
الفضول
قلت في عقلي ... لابد و أنها كومة من النفايات نسي صاحبها رميها في سلة المهملات,فإقتربت و كلما فعلت تأكدت أنها ليست...
كومه من الاوراق
..................................................
أكيد ... في هذه اللحظة عرفت ... بات من الواضح أنه جسم ... من لحم و دم ... ما كان أعجب منظره ... كان جالسا و حمله على ركبتيه...عيناه محدقتان ... بخوف ... نحوي ...
إلى فوق
..................................................
لحظة واحدة ... الآن تذكرت ... كانت يداه مكورتين ... تقبضان بشده على شئ لم اره
قلت له : لا تحدق هكذا ...ما أنت يا هذا ؟...
لا لا ترد ... يالي من وقح ... فليس هذا من شاني ...
أتسمح لي أن أجلس معك ؟
لم أنتظر منه إجابه ... جلست فلم يمانع ... حينها لاحظت أسماله البالية ... قلت في عقلي : كم أنا احمق ... إنه من المشردين الذين الذين يجوبون سلال القمامه ... يال المسكين
قلت له : لا عليك يا أخي ... أتريد أن أساعدك في شئ ؟ ...هاك بعض النقود ... و لكنها لن تجعلك سعيدا.
لم يرد ...بل ظل محدقا نحو الأعلى جالسا على ركبتيه ... و قد لاحت في عينيه علامات الضيق ...
قلت في عقلي : كم أنا أبله ... لابد أنه كان واحدا من أصحاب الأملاك .. ثم فقد ثروته في صفقة خاسرة ... فإنتهى به الأمر في الشارع ... و لكن لا زال يملك بعض الكرامه لذلك لا يقبل صدقة .
إعتذرت إليه معيدا الفكةبين أحضان جيبي : لا تؤاخذني ... من لا يعرفك يجهلك .. و لكن بالله عليك فلتخبرني كيف إنتهى بك الأمر في الشارع بجوار القطط؟
في هذه المره ... عندما نظرت إلى عينيه كانتا ترمقاني بتكبر حاد ...
قلت في نفسي : يا لي من أخرق ... فها هو يشد قبضته على شئ لا اعرف ما هو ... لعله الشئ الوحيد الباقي له من أسرة ضاعت إثر حادث مؤسف.
عاجلته بقولي : فلتمح هذه النظره من على وجهك و لتعلم أني لا أحب التدخل في شؤون الاخرين ... مع ذلك أقول لك ألا تحزن لأنك محظوظ بإمتلاكك ما يعيد إليك ذكريات الماضي الجميل و لتتوكل على الله ..
أما عينه فكانت ترسل شرار الغضب ... قلت في عقلي : يالي من غبي ... لابد أنه أخرس لذلك لا يرد ... أخرسه الزمن بعد أن نالت منه الأيام
أشرت إليه :ألا تقدر غلى الكلام ... إذن أشر إلي لعلي أفهم ... أو أرني ما تخبؤه بين يديك
حينها عادت إلى عينيه نظره الخوف ... قلت في نفسي : كم أنا ساذج ... أمعقول أن يرض أن يريني كنزه و أنا الذي لم أعرفه إلا منذ دقائق !!!!
طمأنته : لا تخش شئ ... لن أؤذيك ... أريد فقط أنأعرف ...
رمقني بنظرة ساخره و لسان حاله يقول : مستحيل
لن تعرف أبدا
لم أشعر بنفسي إلا و قد إندفع الدم كله إلى رأسي و أنا أصرخ في وجهه: أنت جبان رعديد ... لا أريد إلا أن أرى ما في يدك ... أريد أن أساعدك ... أن اخلصك من كل همومك ... شاركني فيها حتى لا تحمل العبئ وحدك
لم يبد عليه أي رد فعل و كأنه لا يعبأ لكلامي ..
.استطردت محاولا تمالك ما بقي من أعصابي : آه ... عرفت ... أنت من هؤلاء الذين لا يثقون بأحد ... من الذين يعتقدونأنهم قادة الكون ... و باقي المخلوقات هدفها في الحياه أن تقتفي آثارهم
هذه المرة جاءت نظرته بلا أي معنى مما أشعل كل كياني
حاولت ... حاولت أن أروض حصان الفضول في نفسي ... أن أبتعد ... أن أنساه ببساطة ... و أخلفه في الشارع بين أحشاء الظلام
لكن لا ... أدركت في هذه اللحظة أني لن أستطيع أن أعيش لحظة دون أن أعلم سر هذا الكسير الوحيد ... قررت أن أحرره رغما عنه ... أن أعرف ما يمسك به ...
و بلا وعي مددت يدي لأنتزع ما في يده و لكنه ظل ممسكا به كأنه أمله الوحيد ...حينها كنت قد بلغت أقصى درجات الغضب ... أخذت أهزه أستنتطقه ....ثم صرخت حنجرتي بكل ما تملكه من أحبال صوتيه : سأقتلك... سأقتلك !!!
.
.
.
و أخيرا تحرر الكنز من قبضته ... ولدهشتي لم يحرك ساكنا بل تدحرج على الأرض بلا مبالاة ,و كأنه إنهار لأني إمتلكت كنزه
تجاهلته و قد أخذت ما كان يخبئه عني ... و بالرغم من بروده الجو التي خدرت يداي ... أحسست بملمس كنزه ...
كان رطبا ... لزجا ... كالهلام ...
حدقت فيه ... و مع أن الظلام كان شديدا إلا أنني ميزت اللون الاحمر الدامي الذي لطخ ملابسي ... كان كنزه ...
قلبه !!
في تلك اللحظه ...تمنيت لو صعقني البرق لكي أنسى ما رأيت ... و لكن بدلا من ذلك صعقني صراخ سيده تشير إلي بأصابع الإتهام و قد أكد نظريتها وجود دماء الضحية على ملابسي و قلبه بين يدي
وبلا انذار ... تملكني شعور بغيض بالذعر ... جريت .. و جريت ...و أنا أقول في عقلي : يالي من فضولي .. إنه مجرد إنسان ... قتل في بحر الليل ...على يد إنسان ... إنتزع قلبه , إلا أن الاخير لم يستطع سوى أن يضمه و هو يلفظ آخرالأنفاس ... حتى تصلبت يداه ...و هو يجلس على ركبتيه ..بين أحضان ... الزقاق العتيق...
لا اعرف إن كان من حقي أن أضحك أو ابكي ,و لكني أعرف شيئا واحدا ...لم أقتله ...صدقني