الأغتراب عن الناس
هل شعرت يوما ً بالأغتراب وأنت بين الناس ؟ هل شعرت بالوحدة وأنت فى جمع حاشد ؟ هل فكرت مع الناس وتجاوبت معهم وتحاورت وتحمست وخف تحمسك وغضبت معهم وتراضيت ... تشعر فى داخلك كأنك غريب عنهم ؟ هل حدث لك إذا كنت فى جمع حافل تحدق فيهم ولا تراهم تسمع منهم ولا تنصت ولا تعى . تصل إليك أصواتهم وهمهماتهم ، وكأنها تصل إليك من جب عميق ؟؟ ... هل وقع وأنت سائر فى الشارع بكل ما فيه من ضجة وزحام وأصوات تصم الآذان وكأنك فى واد وهم فى واد ، معهم ولست معهم ، معهم بالجسم فقط ولكنك بعيد عنهم منطو فى داخلك ، كأنك جعلت منه الملاذ يقيك ويحميك ... يقيك ويحميك من ماذا ؟ أنك لا تعرف على التحديد ولكن الذى تعرفه بيقين أنك لست معهم ولست منهم .
لماذا تهرب وتلوذ بنفسك فى خلوة ؟ لماذا لا تدع السارع إلى بيتك أو غرفتك أو مسجدك أو كنيستك ... لماذا لا تدع لهم دنياهم وتكون لك دنياك ؟ هل حتم عليك أن تشاركهم .. الا تستطيع العيش بدونهم ؟ ثم ألم يقع لك أن ضقت بعزلتك ووحدتك وذهبت تسعى إلى الناس تريدهم أن يؤنسوك أو تؤنسهم ، فوجدتهم أحيانا ً ولم تجدهم أحيانا ًُ
ألم يقع لك أن وجدت الأنس فى نفسك والطمأنينة والرضى ، حتى يخيل لك أحيانا ً أنها الصديق الذى لا غنى عنه ، تفهمه ويفهمك ...
وألم يقع لك أحيانا .. أن كانت نفسك بشعة مخيفة مغلقة تنشد الهرب منها .. وإلى من يكون الهرب وهى جزء منك وبين جنبيك .. أن ضقت بالناس تستطيع أن تعتزلهم ولو لحين ، أما إذا ضقت بنفسك فكيف يكون أعتزالك إياها ؟؟
أنت بين الناس وبين النفس فى حيرة دائمة . ولعلك سالت نفسك فى فترات الضيق ما هى هذه النفس ومن هم هؤلاء الناس ..
أيهما خير لك أن تكون على وفاق مع نفسك أو على وفاق مع الناس ، ولعلك إذا أخترت وجدت أن أرضاء النفس ، كأرضاء الناس ، كلاهما مطلب عسير ، فيدعك هذا الأختيار أو ذاك فى مأزق أو فى جحيم .
ماذا فى داخل نفسك وماذا فى داخل نفوس الناس ، هل انت تتعامل مع الناس بحقيقاتهم كما تراها وكما هو فى ظاهرها . أوأنك تتعامل مع نفوسهم أعنى ما فى داخلهم . وما الظاهر منها الا غشاء وغطاء يخفى الكثير .
وتدخل فى حيرة جديدة وتفتح على نفسك تساؤلا ً جديدا ً ، من هم الناس ومن أنت ما هى نفسك وماذا هى نفوس الناس ؟؟ وتنتهى إلى أن المسألة فى أيجاز هى الواقع الحقيقى ، أنها نفوس تتعامل إحداها مع الأخرى ، وما الأجسام الظاهرية الا لأغشية .. قد تتفق مع ما فى الداخل وقد لا تتفق معه .
فيكون النفاق والخبث والكذب وسائر ما تزخر به الدنيا مما يجعلها أحيانا ً غامضة غير مريحة ، وأحيانا ً ظاهرة نقية واضحة ... لا تلبث على حال ، سواء كان الغموض والكذب والنفاق أو كان الوضوح والطهر والنقاء .
ولكن النفوس أيضا ص تتلون وتتغير ، فيكون منها النفس الفاجرة والنفس الذكية .. نفسك كنفوس الناس ، لها أحوال وألوان وتغيرات ... فإذا أسأت الظن بالناس ، فلا تنسى نفسك ، لأنها من الجوهر نفسه صيغت ... وإذا كنت دقيقا ً فى حساب الناس ، فأنهم بالدقة نفسها سيحاسبونك .
فإذا شعرت بالغربة بين الناس ، فأنهم أيضا ً قد يشعرون بالغربة معك .
وإذا لذت بنفسك هربا ً منهم فأنهم أيضا ً يلذون بأنفسهم هربا ً منك ..
وإذا سرت فى الشارع وكان بينك وبين زحامه وضجته فيه سدا ً من الخوف والقلق وسوء الظن والريبة فأعلم أن من منهم من يسير هو الأخر وكان بينه وبينك سدا ً .. وقد تشعر أحيانا ً كأن حياة الأنسان على هذه الأرض مأساة اليمة ، وكأن رحلة الحياة أشق مما كتبه الله على الأنسان ، وأن النفس لغز تحتار فى حله ، ولا تصل فى شأنه إلى جواب ...
وقد يسعدك أن تحب وأن تكون محبوبا ً .. وقد يشقيك الشك فى هذا الحب .. وقد يسعدك أن الناس